بقلم/ فايزة ربيع..
نعم فيه سم قاتل ..
وعذراً.. لم أقصد الإساءة لهذا الخلق الراقي، فالحياء بمعناه الحقيقي مشرع، بل ومطلوب “فما كان الحياء في شئ إلا زانه”
ولكن نحن من أسأنا الفهم والتعامل فإختلطت الأمور بداخلنا عندما تغاضينا وتغافلنا عن الكثير من التجاوزات، فهل هذا حياء؟! أم هو ضعف؟!
دعونا نضع الأمور في نصابها ونقيم بل ونواجه أنفسنا
ونعترف بأننا نضعف أمام البعض وندعهم يتمادوا في جرح مشاعرنا ولا نجرأ أن نوجه لهم اللوم أو حتى العتاب(حياءاً) منا وحرصاً على عدم إحراجهم، أو ربما خشيةً على أن يشعروا بالذنب تجاهنا، توقعاً منا بأن يكون هناك ثمة تقدير لذلك، أو أن يصبحوا أكثر تفهماً لمدي جهادنا لأنفسنا ونحن نتحمّل أخطائهم وهفواتهم التي لا تليق بِنَا وبمكانتنا على الأقل أمام أنفسنا..
فإذا كنت ممن يخيل لهم أن باستطاعتك أن تتملك كياناً حراً مكتملاً لتفرض عليه مقدراتك كما تراها أنت وحدك، دون الأخذ في الإعتبار لخصوصيةً الآخرين، عذراً فأنت تمتلك من الخيال الرحب الكثير والكثير، لأننا في النهاية لا نملك إلا طاقة “بشرية” وقوة إحتمال محدودة، أي؛ معرضة للنفاذ بين الحين والآخر! ولسنا مؤهلين لأن نتعامل بهذه الملائكية المفرطة طيلة الوقت، وحتماً سيأتي الوقت الذي ستصطدم فيه أنت الآخر بردة فعل ربما لا تتمنى يوماً أن تتعرض لها، أو يتسبب سوء التقدير والإحترام لإختلافنا كبشر في فقد أشخاص ربما لن تشأ الأقدار أن تكررهم في حياتك مرةً أخرى،
ومع ذلك فلم أقصد بالحفاظ على مساحة الحرية في التصرف الخاصة بِنَا، أن يكون هناك تفريط أو تخلي عن مسؤليتنا تجاه من نحب، ولكنها دعوة إلى التوازن والتعامل بما يتناسب مع آدميتنا، وأيضاً توازن بين ما نشعر به من ناحية، وما علينا القيام به من أجل الآخرين من ناحيةً أخرى، وهذا ما تفرضه علينا إنسانيتنا، ولكن ما نتعرض له من ضغط نفسي، وما نبذله من جهد في محاولاتنا لإرضاء الآخرين ما هو إلا إستنساخ لما يراه غيرنا، وتبنيه لو بدون إقتناع منا، فعندما نخضع لأفعالهم، أو حتى نقبل أن نكون رد الفعل لهؤلاء الذين لا يتعدى دورهم أحياناً في حياتنا سوى طاقة سلبية ستكون آجلاً أم عاجلاً سبباً في تحولنا تدريجياً إلى أشخاص آخرين نبحث عن ذاتنا ولَم نجدها سوى مشتته، فينعدم الرضا عن أنفسنا طيلة الوقت، ولكننا نحن مَن سمحنا بذلك عندما تنازلنا في البداية عن جزء من شخصيتنا وترفعنا عن رغباتنا مقابل إرضاء رغباتهم، أو بمعنى أصح (حياءاً) من مقاومتهم، فإننا وبدون قصد عندما نخضع لأهواء غيرنا ونتعايش بها لفترة فنحن بذلك نذوّب فيهم ونتأثر بهم بشكل قد يجعلنا منعدمين ولا وجود لنا،
فقد أراد الله سبحانه أن يُرينا قدرته وإبداعه في خلق البشر، فاستوطن هذا الإبداع والجمال في هذا الإختلاف، فأصبحت ملامح شخصية كل منّا كالبصمة التي نرى سر تميزها وجاذبيتها هو أيضاً ذلك الإختلاف، والذي هو من سنن الحياة لنكمل بَعضُنَا البعض، وأيضاً لنكون مرآةً وخير دليل لأحبتنا، فكم نحن بحاجة عند طرح الكثير من أمورنا الحياتية وخاصةً عندما تختلط علينا الكثير من المواقف لمرجع يراها من منظور مختلف، فيتبناها الرأي والرأي الآخر، حتى نصل
إلى حد القناعة والرشد في حل قضايانا،
فإذا لم نجد من يتفهم ذلك جيداً.. فكفانا حياءاً! عذراً..كفانا ضعفاً وحرصاً على إرضاء من لا يبالون بِنَا وبخاطرنا،
فعليهم أن يتقبلوا شخصيتنا كما هي، بل ويحترموا إختلافنا، وإذا لم يتقبلوا، فلهم مطلق الحرية وليرحلوا بسلام، ونحن أيضاً لنا مطلق الحرية، فالحياء والإحترام هنا يجب أن يكون لأنفسنا ولمشاعرنا،
وخلاصة القول؛ “لا تدع غيرك يلون حياتك فربما لا يملك سوا قلماً أسوداً “
ولون أنت الآخر حياتك بإسعاد الآخرين وبما تملكه أنت من إختلاف وتميز، دون أن تتخلى عن “حياءاً” حقيقياً جعله الله زينةً لك، لتستبدله بحياءاً فيه سم قاتل لملامح شخصيتك وسر تميزك..